عاممقالات

التجارة العادلة وثقة المستهلك في برنامج التحول !!

تم النشر في الأحد 2016-06-12

 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( رحم الله عبدا سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا اقتضى) ويقول عليه الصلاة والسلام تعزيزا لمبدأ العدالة والاخلاق الرفيعة قبل الاتجار و الاستثمار (التجار هم الفجار قيل يا رسول الله : أوليس قد أحل الله البيع؟ قال عليه الصلاة والسلام: بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأتمنون) وفي نفس السياق قال الرسول صلى الله عليه وسلم في موضع أخر ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء).
ومما لا شك فيه ان معنى العدالة ينطوي على الصدق والأمانة والسماحة و الاتقان والوضوح والشفافية فكل قيمة من تلك القيم هي ركيزة من ركائز العدل في التجارة. فليس من العدالة الغبن او الغرر أو الغش او الخيانة او الكذب، ولهذا كانت من البيوع المحرمة كل بيع انطوى على صنف من اصناف الغش والتدليس. ولكن كيف لنا ان نحدد التجارة العادلة، العادلة للمستهلك والعادلة للمستثمر؟؟ هذا السؤال اجابتة تطول وتختلف بمنظور كل طرف من الاطراف. ولكن تبقى القوانين المنظمة والشرائع المحكمة للمعاملات هي من يجب ان تحدد اطار تلك العدالة. لذا فالآلية لتحقيق هدف سامي وقيم نبيلة وبيئة رفيعة من الاخلاق والقيم التي تسبق شهوة الربح وغريزة النفع لابد وان تمر من خلال لوائح عادلة غير جامدة ومسئول قوي أمين.
وأنا أقرأ كغيري من المواطنين أول الأهداف الاستيراتجية في برنامج التحول الاقتصادي والمتصلة بوزارة التجارة، سَعِدتُ بوجود العدالة في التجارة كهدف استيراتيجي ووجود زيادة ثقة المستهلك كهدف استيراتيجي أيضا. فكما أن الانتخابات لمجالس الغرف التجارية ذات اهمية بالغة لرجال الأعمال وهناك اهتمام اعلامي ايضا ملحوظ بذلك، فمن باب العدالة ايضا لابد وان يكون لجمعية حماية المستهلك من الحظ والنصيب الشيء الكبير.
ومن الطبيعي اذا كانت بيئة التجارة قائمة على العدالة ومنطوية على قيم السماحة والاتقان والأمانة أن تكون ثقة المستهلك في التعاملات في أقصى حدودها وأعلاها. لا نقول أننا نستطيع الوصول الى حالة من العدالة الكاملة بنسبة 100% لأن هذا مستحيل الحدوث لكننا نريد ان نكون ضمن أفضل المناطق حول العالم التي تتسم فيها العمليات التجارية بدرجة عالية من الثقة المتبادلة والتي كان اساسها قطعا الأمانة والسماحة والإتقان. جانب كبير من قيم العدالة والسماحة شخصي ومرتكز على القيم الدينية والقيم الذاتية والاجتماعية والخبرة والمستوى التعليمي الذي يستقيه الشخص من مجتمعه لكن الأنظمة الغير جامدة والأمينة كفيلة في أن تصنع واقعا أفضل ولو على سبيل الاكراه. لا أحد يقف أمام العدالة ولا يمكن أن يقف احد امام القيم الرفيعة الا من ساءت سريرته لكن علينا ان نعي اننا بشر ننسى ونخطأ فنحتاج أنظمة شفافة تذكرنا ولوائح صارمة عادلة تردعنا عن الخطأ والزلل.
الهدفان الاستيراتيجيان العدالة وثقة المستهلك ينطويان على صفة الاتقان وارتفاع الجودة، فالمستهلك لديه كامل الرغبة في التضحية مقابل نوع معين من الجودة وقد أشار برنامج التحول الى ان نسبة السلع المطابقة للمواصفات في السنة الأساس هي 62% ( وان كانت نسبة فاجأتني !!) والهدف هو رفع هذه النسبة الى 80% بحلول عام 2020 م. ومما لا شك فيه ان الاهتمام في ان تكون السلع المطروحة والمتداولة بين المتعاملين في السوق مطابقة لمعايير ومواصفات الجودة المتعلقة بنواحي عدة منها الديني والاجتماعي و الأمني و التربوي والاقتصادي أمر غاية في التأثير في مستوى ثقة المستهلك وقطعا في حجم الأمانة الموجودة في السوق، فالسلع الكهربائية رديئة الجودة قد تكون شرارة لاقدر الله لكوارث من حرائق ونحوة و السلع الالكترونية والتقنية رديئة المحتوى قد تكون فعلا ذات اثر هادم و ملحوظ على التربية والحالة الاجتماعية. يجب ان نعي ان الجودة لا تعني فقط الاستدامة او الاعتمادية وانما ايضا تشمل امورا اعمق من ذلك. لذا احتواء برنامج التحول على اهمية تطابق السلع مع المواصفات والمقاييس للجودة أمر هام جدا ولكنه يحتاج الى آليات واضحة وجادة ليتبلور ذلك الهدف واقعا ملموسا بغض النظر عن حجم النسبة.
التاجر حين لا يملك القدرة على المنافسة بسبب وجود مزايا للقطاعات الكبيرة هذا بلاشك يحد و يتعارض مع هدف استيراتيجي اخر يعنى بتطوير وتنمية واتاحة الفرصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. فالتاجر يحتاج عدلا الى انظمة لا تعسره ماليا ولا تتركه بلا اي مسئولية. يحتاج انظمة واضحة ومحفزة للاستثمار وتدفعه دفعا للاستمرار في التطوير من قدراته وامكاناته. قد يبدوا للوهلة الاولى الاصرار على فتح الفرص الاستثمارية و جذب المستثمر الاجنبي على أنه نوع من المصاعب التي ستواجه المستثمر الصغير بل هي على العكس من ذلك قد تكون مجالا هاما لزيادة فرص المنافسة وتقليل فرص الاحتكار ودواعية الغير مرغوبة. ودائما يقال الاحتكاك بأصحاب الخبرة العريضة والقدرات العالية ومنافستهم تؤدي الى تطوير القدرات والامكانات.
أجد أن وزارة التجارة أمام فرصة ذهبية للقيام بدورها وتفعيل مالديها من لوائح لتساهم في احياء الاهداف الاستيراتيجية في برنامج التحول لتكون واقعا يعيشه المجتمع بأكمله بحدود عام 2020م . الأمر ليس يسير فتحقيق العدالة بين مستهلك ومستثمر أمر عالي الحساسية ومرتبط بعدد كبير من الأمور ولكنه أبدا ليس مستحيلا، وإن كنا نستهدف رفع نقاط الثقة المتبادلة من 105 الى 115نقطة بحلول عام 2020م فاتمنى ان لا يشغلنا الهوس بالمؤشرات والارقام عن الاهتمام بالجوهر والوصول الى اعلى مستويات الثقة فالمؤشرات ليست كل شيء. أساس المعاملات التجارية الثقة سواء كانت ثقة نابعة من الحاجة او نابعة من طرفي التعامل أنفسهم او من الانظمة. فاذا كنت مريض فانت تسلم نفسك الى الطبيب بثقة (لانك محتاج للعلاج) واذا تعطلت سيارتك في خط سريع فانت تتركها لدى مهندس ميكانيكي بثقة (لأنك تريد سيارتك لتكمل سفرك!) وأيضا انت تشتري منتجات شركة أبل من متاجر أبل ولا تفاصل كثيرا في السعر لأنك تعرف قيمة وجودة واتقان الطرف المنتج. أيضا انت تشتري بكل ثقة من متجر أمازون الالكتروني رغم عدم ملامسة السلعة او بائعها وكل شيء يتم من خلال الانترنت الا انك تعلم جودة الانظمة واللوائح التي تعمل بها هذه الشركة مما يزيد من حجم ثقتك.
مختصر القول الوصول الى تلك الاهداف الاستيراتيجية النبيلة، يتم من خلال العمل على صياغة انظمة ولوائح تهتم بشكل واضح وشفاف بالعدالة والامانة للمستهلك والمستثمر معا. الاهتمام الشديد بتفعيل تلك الأنظمة من خلال توعية المستهلك والمستثمر بحقوقهما التي تكفلها لهم الانظمة وكيفية معالجة اي تجاوز غير نظامي من خلال وضوح ماهية العقوبات لمثل تلك التجاوزات و فعالية الجهات المسئولة عن معالجة المخالفات. ضرورة وجود الجهاز الرقابي الذي يحفز المسئول (وزارة التجارة) على تفعيل اللوائح والانظمة المصاغة بهذا الخصوص، والتأكد من تساوي الجميع أمام هذه الانظمة فمتى كانت الانظمة مطبقة بالاستثناء فهذا أول طريق لتعطيلها وتجميدها.
خاتمة : يقول الله عز وجل ( يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فالثقة والعدالة تتجلى نهاية في رضى الأطراف وقلة الخلاف والظلم.

نقلا عن مال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock