السرعة لا تقتل الشركات… لكن غياب الحوكمة يفعلها بهدوء ؟!!

تم النشر في الخميس 2025-05-15
يبدو أن الحوكمة باتت عند البعض تهمة لا نظامًا، مجرد عائق ثقيل يُفضّل تجاوزه “لصالح السرعة” و”اغتنام الفرص”. ويبدو أيضًا أن هناك فهمًا شائعًا مفاده: كلما زادت اللجان، نقصت الجرأة، وكلما زاد التوثيق، تراجع الحس القيادي، وكلما خضعت القرارات للمراجعة… صارت “مائعة” بلا شخصية. وهذا، باختصار، كلام من لم يُراجع قرارًا سقط عليه لاحقًا كحجر.
في إحدى الشركات، قررت الإدارة التنفيذية أن اللحظة مثالية لإعادة الهيكلة. تمّ الأمر بإخراج مسرحي مهيب: قرار عاجل، تنفيذ فوري، تعميم داخلي، واحتفاء بالتحول! لكن للأسف، نسوا فقط عرض الأمر على اللجنة التنفيذية، وتجاهلوا المرور على لجنة الترشيحات والمكافآت—تفاصيل صغيرة كهذه لا تهم، أليس كذلك؟ بعد أسبوعين: تضارب مسؤوليات، ارتباك في التواصل، موجة استقالات صامتة، وانخفاض في المؤشرات… لكن القرار كان سريعًا، وهذا هو المهم، أليس كذلك؟
في المقابل، شركة أخرى، لا تملك عباقرة أكثر، لكنها تملك حوكمة مفعّلة. نفس القرار، نفس التوقيت، لكن هذه المرة مر عبر اللجان، نوقش، وُثق، ووزعت تبعاته. هل تأخر؟ قليلًا. هل أُنهك؟ إطلاقًا. هل نُفّذ؟ نعم، بثقة وهدوء ودون مفاجآت مؤلمة.
الفرق؟ الأول قرر ثم ندم، والثاني قرر داخل نظام فلم يحتج إلى الندم أصلًا.
والأجمل من كل هذا أن البعض يظن اللجان صمّامات تعطيل، وأن الحوكمة مصيدة للقادة، بينما هي في حقيقتها الحبل الوحيد الذي يُمسك بالقائد عندما يُقرر القفز دون أن يعرف أين سيقع.
الحوكمة لا تُعطّل القادة، بل تقيهم من العزلة الإدارية، وتحيط قراراتهم بمظلّة نظامية تحميهم من أعباء القرار المنفرد. أما اللجان، فهي لا تفرغ القرار من مضمونه، بل تُمنحه بُعدًا أوسع، ومسؤولية أذكى، وتمنع أن يتحوّل الحماس إلى ورطة موثقة بالإيميل.