مقالات

‏قرار الفيدرالي الأمريكي يشعل زخم أسواق الخليج

الكاتبة : آيات الشاذلي

في خطوة طال انتظارها، أزاح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكيالستار عن قراره بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس،ليضعها في نطاق يتراوح بين 3.50% و 3.75%. لم يكن القرار مفاجئاًبالكامل، فقد كانت الأسواق العالمية قد استوعبت جزءاً كبيراً من التوقعات،لكن الإشارة الواضحة إلى انتهاء دورة التشديد النقدي كانت بمثابة إطلاقرصاصة البداية لمرحلة جديدة من التيسير. هذا التحول الجذري فيالسياسة النقدية الأمريكية لم يجد صدى له في وول ستريت فحسب، بلامتد تأثيره المباشر والسريع ليلامس شرايين الأسواق المالية الخليجية،محولاً همسة الفيدرالي إلى زئير من التفاؤل والنشاط.

جاء قرار الفيدرالي مدفوعاً ببيانات اقتصادية أمريكية تشير إلى تباطؤمستمر في وتيرة التضخم، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) تراجعاً نحو مستويات 3%، وهو ما يتماشى مع توقعات البنك المركزيالأمريكي بوصول التضخم إلى 2.9% بنهاية العام المقبل. هذا التباطؤ،المقترن بمخاوف من تباطؤ النمو العالمي، منح الفيدرالي المساحة الكافيةللتحرك نحو خفض تكلفة الاقتراض، في محاولة لضمانهبوط ناعم”للاقتصاد وتجنب الانكماش. إنها عملية موازنة دقيقة بين كبح جماح الأسعاروتحفيز النشاط الاقتصادي.

أما في الخليج، فقد كان رد الفعل فورياً وإيجابياً بامتياز. فبسبب ارتباطعملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي، سارعت البنوكالمركزية في المنطقة إلى خفض أسعار الفائدة الرئيسية بالتزامن مع قرارالفيدرالي، للحفاظ على جاذبية عملاتها وتنافسية أسواقها. هذا التخفيضالمتزامن، الذي وصل إلى 25 نقطة أساس في معظم الدول، كان له تأثيرمضاعف على الأسواق المالية.

لقد انعكس هذا التحسن في شهية المخاطرة بوضوح على أداء المؤشراتالرئيسية. ففي المملكة العربية السعودية، سجل مؤشر السوق الرئيسية(تاسي) مكاسب أسبوعية بلغت 0.85%، مدعوماً بارتفاعات في قطاعاتحساسة لأسعار الفائدة مثل البنوك والعقارات. وفي الإمارات، ارتفع مؤشرسوق دبي المالي بنسبة تقارب 0.3%، ليغلق عند مستويات 6094 نقطة، معتدفقات سيولة نشطة تجاوزت 200 مليون درهم في جلسة واحدة. هذهالأرقام ليست مجرد نقاط على شاشة التداول، بل هي مؤشر على تدفقالسيولة وعودة الثقة.

لكن المحلل الاقتصادي يرى أن التأثير الحقيقي لخفض الفائدة الأمريكيةعلى الأسواق الخليجية يتجاوز المكاسب اللحظية، بل يمثل فرصةاستراتيجية للاقتصادات الخليجية التي تخوض سباقاً محموماً لتنويعمصادر دخلها بعيداً عن النفط. إن انخفاض تكلفة الاقتراض عالمياً يجعلتمويل المشاريع العملاقة (Mega-Projects) مثلنيوم” ومشروع البحرالأحمر” أقل كلفة وأكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، حيث يقلل هذاالتيسير النقدي من عبء خدمة الدين على الحكومات والشركات الكبرى، ممايحرر رؤوس أموال إضافية للاستثمار في البنية التحتية والقطاعات غيرالنفطية. كما أن انخفاض العائد على الأصول الآمنة في الولايات المتحدةيدفع رؤوس الأموال العالمية للبحث عن عوائد أعلى في الأسواق الناشئة،والاستقرار الاقتصادي والسياسي في الخليج، مقترناً بأسعار فائدةمنخفضة نسبياً، يجعلها وجهة مفضلة لهذه التدفقات، وتشير التقديرات إلىأن الأسواق الخليجية قد تشهد زيادة في صافي تدفقات المحافظ الأجنبيةبنسبة تتراوح بين 15% و 20% خلال الربع الأول من العام المقبل، مقارنةبالربع السابق. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن خفض الفائدة قد يؤدي إلىتضخم في أسعار الأصول، خاصة في القطاع العقاري، حيث أن سهولةالحصول على القروض العقارية قد ترفع الأسعار إلى مستويات قد لاتتناسب مع الدخول الحقيقية، مما يتطلب يقظة من البنوك المركزية الخليجيةلضمان عدم تشكل فقاعات سعرية.

إن قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة هو بمثابة ريح مواتية تدفعسفن الاقتصادات الخليجية نحو أهدافها التنموية. لكن الإبحار في هذهالمرحلة يتطلب رباناً حكيماً، يوازن بين الاستفادة من السيولة العالمية المتاحةوبين إدارة مخاطر التضخم في الأصول. المرحلة القادمة هي مرحلةالاستثمار النوعي”، حيث لن يكفي ضخ الأموال، بل يجب توجيهها بذكاءنحو القطاعات التي تحقق أعلى قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، لضمان أنيكون زئير الأسواق بداية لازدهار اقتصادي مستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock