حج ١٤٤٦ هـ قصة نجاح وريادة عالمية في إدارة الحشود

أيمن السهلي
تم النشر في الأربعاء 2025-06-11سطّرت المملكة العربية السعودية قصة نجاح جديدة ومبهرة في موسم حج 1446هـ، مؤكدةً ريادتها العالمية في إدارة أكبر التجمعات البشرية بكفاءة غير مسبوقة. هذا الإنجاز العظيم، الذي أُعلن عنه، هو ثمرة عمل دؤوب وتخطيط محكم، وتكامل فريد بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة والمتطوعين. لقد أدى 1,673,230 حاجاً وحاجة، نسكهم بيسر وطمأنينة، منهم أكثر من 1.5 مليون قادم من خارج المملكة، بدأوا في العودة إلى أوطانهم حاملين معهم ذكرى رحلة إيمانية يسّرتها جهود جبارة، وقلوب شعب كريم فتحوا أبوابهم للترحيب.
تجلت قدرة المملكة على إدارة الحشود الكبيرة في الأرقام الرسمية المعلنة؛ فقد أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن إجمالي عدد الحجاج بلغ 1,673,230 حاجاً وحاجة، منهم 1,506,576 قادماً من خارج المملكة. هذه الأعداد الهائلة، التي توزعت بين 877,840 حاجاً ذكراً و795,390 حاجة أنثى، تنقلوا بيسر بفضل خطط تفويج محكمة وجهود المتطوعين السعوديين الذين جسدوا أسمى معاني العطاء وكرم الضيافة في كل نقطة.
الأمن كان الركيزة الأساسية لهذا النجاح، حيث أكد وزير الداخلية أن “هذا النجاح هو نتاج التوظيف الأمثل للتقنية، والتعاون والوعي من الحجاج وبعثات الحج”. وقد تجلى ذلك في كفاءة إدارة الحشود ومنع عشرات الآلاف من المخالفين من دخول المشاعر المقدسة، مما أسهم بشكل مباشر في انسيابية حركة الحجاج النظاميين. وتميزت جهود الوزارة بالتوظيف الأمثل للتقنية، معتمدةً على مراكز تحكم متطورة تتابع الحجيج عبر شبكة واسعة من الكاميرات في المشاعر المقدسة. كما كان لإدارة المرور دورٌ حيويٌ في المحافظة على انسيابية الطرق وتنظيم الحركة المرورية على مدار الساعة، مؤكدين بذلك كفاءة الإدارة الأمنية الشاملة. وتكاملت هذه الجهود مع الدور البارز لرجال الأمن من كافة القطاعات في إرشاد الحجاج ومساعدتهم، بالإضافة إلى جاهزية المديرية العامة للدفاع المدني التي عملت على خطط السلامة العامة والاستجابة السريعة للطوارئ لضمان أقصى درجات الأمان لضيوف الرحمن.
ولصحة الحاج الأولوية القصوى، حيث برهنت وزارة الصحة على جاهزيتها بمشاركة أكثر من 50,000 ممارس صحي، ورفع الطاقة السريرية في المشاعر بنسبة 60%، حيث نفذت ٣١١ عملية قسطرة و ٢٩ عملية قلب مفتوح و ٢٠٠ الف خدمة صحية وأكثر من ٩ الاف استشارة صحية عبر الهاتف.
في منظومة النقل، كانت الجهود شاملة وفعالة، حيث أشار معالي رئيس الهيئة العامة للطيران المدني إلى أن 6 مطارات دولية استقبلت الحجاج القادمين إلى المملكة، واستفاد أكثر من ٤٥ الف حاج من مبادرة مطار الملك عبدالعزيز الدولي بربط الطيران بالقطار حيث يتوجه الحاج إلى محطة القطار للانتقال مباشرة الى المشاعر المقدسة.
وساهمت جهود وزارة النقل والخدمات اللوجستية في نقل أكثر من ٨٦٠ الف راكب في قطار الحرمين ومليون وسبعمائة ألف في قطار المشاعر، وفي النقل البري شاركت أكثر من ٢٥ ألف حافلة، وعبر الميناء ٥ رحلات على متنها خمسة الاف حاج، وفي القطاع اللوجستي ساهمت الوزارة في أكثر من ١٠ آلاف عملية نقل دم.
كما أدت شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية (SANS) دوراً حيوياً في إدارة الحركة الجوية بكفاءة، بالتعاون مع الهيئة العامة للطيران المدني (GACA) لضمان سلاسة تدفق الرحلات.
ولم يغفل النجاح عن التقنية، فلقد شكل التحول الرقمي نقلة نوعية في تجربة الحج الذكي. فبحسب هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، سجلت شبكات الاتصال 181.2 مليون مكالمة محلية ودولية، مما يؤكد كفاءة البنية التحتية وقدرتها على استيعاب هذا الكم الهائل. وقد ساهمت وزارة الحج والعمرة بشكل محوري في تسهيل رحلة الحاج من خلال إطلاق وتطوير منصات رقمية متكاملة لإصدار التأشيرات وتيسير الإجراءات وتقديم الخدمات الشاملة لملايين الحجاج القادمين من حول العالم، لتعزيز تجربة الحج وجعلها أكثر يسرًا وتفاعلية. يضاف إلى ذلك الدور الكبير للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في إدارة وتنظيم حركة الحجاج داخل الحرمين الشريفين، وتوفير كافة الخدمات الروحية والميدانية، لضمان أداء المناسك في بيئة إيمانية آمنة وميسرة. هذا النجاح التقني والتنظيمي لم يكن ليتم لولا جهود المتطوعين وشباب الوطن الذين ساعدوا الحجاج في استخدام هذه التقنيات، مجسدين كرم أهل السعودية وحرصهم على راحة ضيوف الرحمن.
كما قدمت وزارة الاعلام جهودا جبارة لإبراز المشهد العظيم من قلب المشاعر المقدمة المقدسة، ليصل إلى أكثر من 300 مليون مشاهد حول العالم
وتبلورت جهودها في إقامة ملتقى الحج بنسخته الثانية وتنظيم المؤتمر الصحفي الحكومي للحج، وانتاج مواد استباقية وفيديوهات لحظية إذ بلغت ساعات البث المباشر من قنوات هيئة الإذاعة والتلفزيون أكثر من ٤٠٠ ساعة من خلال أكثر من ١٢٠ كاميرا وحضور أكثر من ٨٠٠ اعلامي وفني ومهندس وأكثر من ٥٠ مراسل ومراسلة.
إن الأرقام والإحصائيات الدقيقة لموسم حج 1446هـ، التي يرويها قادة العمل الميداني، ترسم صورة واضحة لنجاح استثنائي غير مسبوق. هذا النجاح يبرهن على قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة هذا المحفل العظيم بكفاءة عالمية، ويمثل خطوة متقدمة نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما. يؤكد هذا الموسم التزام المملكة الراسخ بضمان تجربة حج إيمانية آمنة ومريحة للملايين من جميع أنحاء العالم، معززةً بقيم الكرم والضيافة التي يتميز بها أهل السعودية، ليظل الحج ذكرى خالدة لا تُنسى في قلوب المسلمين.